الجمعة، 15 أغسطس 2014



     “الله أكبر"، صيحةٌ تتلوها رصاصةٌ تخترق رأسًا آدميًّا؛ فينفجر المخُّ وتنتثرُ أشلاؤه وقد صنعه اللهُ بعبقرية إلهية ليكون جوهرة الترقي التي ترتقي بنا من خانة الحيوان إلى خانة الإنسان السامية. “لا إله إلا الله، محمد رسول الله"، على راية سوداء مُقبضة للنفس تشيع الرعبَ في القلوب، فتعرف أن أرواحًا ستُزهق بعد برهة بغير حق وبغير ما يرضي الله الرحمن الرحيم!
      كيف تجتمع النقائضُ على هذا النحو العبثيّ؟! "الله أكبر"، صيحةٌ تشيع في النفس الثبات وعدم الخوف وتملأ قلب المظلوم بالرجاء في خالق أكبرَ من كل مخلوق ظلوم. فمتى تحولت تلك النجوى المُطمْئِنةُ التي نفتتح بها صلواتنا إلى صيحة رعب تعلن عن رأسٍ يطير عن جسده، أو رصاصة تنحر صدرًا؟! كذلك الشهادة التي هي إقرار من مسلم بوحدانية الله وقبوله رسالة رسوله، كيف يجتمع لفظ الجلالة، واهبُ الحياة، مع الموت والهلاك، على راية سوداء نذير شؤم وحداد؟! تلك الراية التي تودّ أن تمتد خريطتُها لتغطي كوكب الأرض ماحيةً الحدود بين الدول، لتغدو بقعة مظلمة فوق سطح العالم الذي خلقه الله ليشيّد دولة السلام والتطور والحضارة.
    أسئلةٌ تطرق رأسي، ورؤوسنا، بمعاول من حديد كلما اصطدمت عيوننا بهذا التنظيم الوحشي الهمجي الذي يضرب الأعناق ويطيح بالجماجم كل يوم منذ شهور. ولا مجيب على أي سؤال.
    كيف يقدر ذكورٌ (لا رجال) غلاظٌ ملتحون يزعمون التُّقى والورع على أن يجبروا إناثًا، من عمر سنتين إلى السبعين عامًا، على الرقاد أرضًا وخلع ملابسهن وكشف عوراتهن ليقوموا بتختينهن؟! هكذا فعل ذكورُ داعش بنساء العراق!
ما المتعة التي يجدها رجالٌ في الاستقواء على قبور وادعة آمنة، ليهدموها وينثروا رفات ساكنيها المسالمين الذين لا حول لهم ولا قوة؟ هكذا فعل مجرمو داعش بمقابر مسيحيي العراق!
ما الانتصار في هدم صلبان الكنائس ورفع راياتهم السود محلّها؟! هكذا فعل تنظيم داعش بكنائس العراق. ألم يسمعوا عن الفاروق عمر الذي رفض الصلاة في كنيسة القيامة لكيلا يستنّها المسلمون من بعده سُنّة فيحولون الكنائسَ مساجدَ ويجورون على حقوق أشقائهم؟
     ما المتعة فيما يمارسه طغاةٌ يحتمون بسيوف صماء على مستضعفين مسيحيين عُزّل فيخيرونهم ما بين القتل أو الإسلام بالإجبار أو التهجير من ديارهم وبلادهم؛ في حين يقولون إن القرآن لم يأمرهم بقتال يهود إسرائيل؟! هكذا فعل الدواعش التافهون في مسيحيي الموصل العراقية! استولوا الدواعش علي عقارات أبناء الديانة المسيحية في الموصل وجعلوها عقارات تابعة لدولتهم الإسلامية المزعومة، ووضعوا عليها حرف "ن" أي: (نصراني) ليميزوا فيما بعد طبيعة الجهة المسروقة لضبط سجلات دولتهم القائمة على اللصوصية والقتل والاستلاب واغتصاب أموال الغير وأعراضهم.
     وحين تسألهم ماذا هم فاعلون من أجل تحرير فلسطين وتطهير القدس الشريف والمسجد الأقصى من دنس الصهاينة، يعتمرون فورًا قناع “العبيط” ويعتمرون ثوب الأصمّ الأبكم الأعمى. وحين تضرب إسرائيلُ أبناءَ غزة وأطفالها ونساءها، تتحول العيون نحو داعش وأشباهها من جماعات الجهاد الإسلامي، لكي يهبّوا مكبّرين بصيحات “الله أكبر” التي يقتلوننا بها نحن إخوانهم العرب من مسلمين ومسيحيين، تلك الصيحات المدوية ننتظر أن نسمعها لينطلقوا بعدها نحو القدس لينصروا أبناء جلدتهم المسلمين المستضعفين في فلسطين المحتلّة من براثن اليهود الصهاينة، ننتظر وننتظر فلا نسمع شيئًا، وتختفي التكبيرات! تبحث عنهم فتجدهم مترهلين في ثوب البلاهة يقولون في تبجح: “لا شأن لنا بإسرائيل ولا فلسطين ولا القدس ولا المسجد الأقصى. لأن القرآن لم يأمرنا بقتال اليهود! بل أمرنا بقتل المرتدين من المسلمين، وهو ما نفعله الآن في سورية والعراق.”
   “داعش” التي تروم السيطرة على العالم، بزعم نشر الخلافة الإسلامية وأستاذية العالم، ما هي إلا أحد أصابع أمريكا السوداء التي تود شرعنة اختراق الشرق الأوسط والتمكّن من مفاصله. "داعش”. هي الشيطان الأسود في العالم الراهن، ذاك الذي يهدد منظومة هذا الكوكب المرزوء بالمحن والحروب وظلم الإنسان للإنسان، منذ آلاف السنين. بعد حربين عالميتين طاحنتين أُزهقت فيهما عشراتُ الملايين من الأرواح، وخُربت بعدهما، بسبب القنابل النووية والهيدروجينية، خرائطُ الجينوم البشري فاخترقتها التشوهات والسرطانات التي مازالت، وسوف تظل، تُنتج أجيالا مشوهة من الأطفال حملوا الأمراضَ الجينية أجنّةً في أرحام أمهاتهم، قرر مثقفو العالم بعد هاتين المجزرتين أن تنبذ البشريةُ الحروبَ والاقتتال، وأن يجنحوا للسلم وحوار العقول بدلا عن حروب الأجساد والسلاح.
لكن، فيما يبدو، العالم ينكص للوراء ليعود إلى همجيته الأولى التي تخلص منها منذ آلاف السنين مع تكوّن الحضارات. وجود تنظيم دموي مثل داعش، وصمت العالم عنه من منظمات حقوقية وهيئة أمم متحدة، وهيومان رايتس ووتش، ورأي عام عالمي، يشي بأن العالم يسير للوراء ويعود سيرته الأولى حين كان الإنسان يقتل الإنسان ويأكل كبده ويصنع من عظامه نصالا لصيد الفرائس والطرائد.
    ما عاد هناك غافل أحمق يصدق أن أولئك جاءوا لنُصرة الإسلام؟ فالكل يعرف أنهم ألدّ أعداء الإسلام، مثلما هم ألد أعداء الإنسانية والحق والعدل والحضارة. 


 

0 التعليقات:

إرسال تعليق

المواضيع الأكثر قراءة

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

مشتركون في المدونة

أقسام المدونة

الاستمارة

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

بحث هذه المدونة الإلكترونية

تعليقات جديدة