الأحد، 15 يوليو 2018

فلنحسن قراءة المصطلحات، وتأمل الآيات. ليس بوسع المسلم الملتزم والآخذ بالأصول أن يقبل غير المسلم كما لا يَسَعَه أن يقبل المسلم المختلف. فذلك يقع خارج نطاق الممكن، لأن عقله مبرمج على نفي الآخر باتهامه بأنه مبتدع أو مشرك أو كافر أو آثم أو نجس أو غير إنسان، على ما قرر ذلك كبار العلماء وأئمة المذاهب..
إن كنت تفكّر أو تعتقد أن الآخر إما مبتدع أو مشرك أو كافر أو آثم أو نجس أو غير إنسان، انطلاقا مما قرره كبار العلماء وأئمة المذاهب، فمن غير الممكن أن تكون مسلما معتدلا. إن كنت تتمترس خلف ابن تيمية وتعتقد أن الشيعي الذي خالفك الفكرة كافر، او كنت قد اخترت الاصطفاف وراء ابن بابويه واعتبرت أن السني لا تقبل حسانته يوم القيامة ولو كان صالحا، إن كنت أحد الاثنين فبالله عليه لا تقل ابدا أنك مسلم معتدل. ما أنت إلا مشروع قاتل في انتظار التفعيل.
العلماء أخطر من العامة ص 21
ذروة الزيف والجهل والظلم، هي أن نرمي مسؤولية أخطائنا وفشلنا ومصائبنا على الجاهلية، على ما يفعل الذين يحدثوننا عن الجاهلية الجديدة.
من المفارقات أن الإسلاميين، أي أصحاب مشاريع الخلافة الإسلامية والولاية الفقهية والحاكمية الإلهية، دولاً وحكومات أو أحزاباً ومنظمات، لا يُقيمون وزناً للقيم التي هي أساس الشرائع والأحكام والتي بها يكون الإنسان إنساناً، كالتقى والتواضع والعفو والتعارف والتكافل والتراحم... لأن هاجسهم هو الوصول إلى السلطة والقبض عليها بأي ثمن، أي بانتهاك كل ما يدّعون محاربته.
وهكذا فالجميع سواء، إذ كلهم يصنعون النماذج التي يدعون محاربتها.
بهذا المعنى كل مسلم أصولي، ملتزم أو متشدّد، يسكنه ويتحكم بفكره وسلوكه، نموذج تكفيري إرهابي، سواء أكان عالماً قديماً أم داعية حديثاً، وإن كانت داعش قد فاقت بهمجيتها وإجرامها كل من سبقها. ولا
غرابة فالعمل السيئ يستجمع، اليوم، كل ما سبق من مساوئ وكوارث. وتلك هي الثمرة السيئة لعبادة السلف والمماهاة المستحيلة مع الأصول: أن نسدل الستار على عقولنا ونشهد على قصورنا، لكن نتقهقر وننحدر على كل الصعد الحضارية، فيما شعوب الأرض وأممها تحاول صنع نفسها وإحراز تقدمها، بالإتيان بالجديد المثير والجذاب أو المبتكر والخارق.
ثمة مستوى ثالث في مقاربة الإسلام: هو التعامل معه، لا كمنظومات عقائدية مغلقة، بل بوصفه تراثاً هائلا وثرياً، من الخطابات والنصوص التي هي أوسع بكثير من أن تختزل إلى نظام فقهي أو تركيبة عقائدية. إذ هي أغنى مما تطرحه وتدعو إليه أو مما تنظّر له وتحاول البرهنة عليه. وهذا شأن الروائع والآثار من المؤلفات والأعمال في مختلف الحقول والاختصاصات. إنها تشكل منجماً فكرياً عند من يحسن القراءة بعقل واسع ومركب، يرى دوماً الوجه الآخر والبعد الآخر والمستوى الآخر، في كل عمل فكري.
يجب إعادة النظر في التراث وتحويله من متراس عقائدي إلى حقل للدرس والتحليل، تماما مثلما فعل الغرب.
25

المطلوب تحرير الإسلام من إرهابييه وجلاديه، بل التحرر من الإسلام العقائدي، الأصولي والاصطفائي، فهو المشكلة وليس الحلّ بآلهته الجدد الذين تحولوا إلى جلاّدين وجزّارين. وهذا مآل كل شيء يُستعاد في غير زمنه، من غير عمل عليه وتحويله بصورة خلاقة إلى إنجاز حضاري في مجال من المجالات: أن يعود على شكل مساخر كما هي حال الفتاوى المُضحكة أو البائسة التي يتحفنا بها الأصوليون، أو على شكل مجازر ترتكب بحق الناس من غير ذنب أو جريرة.
نحن لا نعيش لكي نخدم الإسلام وسواه من العقائد والأفكار،أكانت دينية أم علمانية، بل لكي نتقن فن العيش، وبالأخص لكي نحسن العيش سوياً. وهذا يقتضي إجراء تغيير جذري يطال علاقة المسلم بهويته الدينية، على نحو تتغير معه أطر النظر ومناهج العمل، مباني العقيدة ومقاصد الشريعة.
الهوية العابرة ص 26
هوياتنا ليست وراءنا بل أمامنا، أي هي صيرورتها الدائمة بقدر ما هي قدرة الواحد على ابتكار ما يمكن أن يعود بالفائدة عليه وعلى مجتمعه وعلى العالم: فكرة خلاقة أو قاعدة صالحة أو أداة فعالة أو ماركة جذابة... هذا ما يفعله اليوم من يمارس هويته بصورة عالمية، عابرة، تقوم على التبادل والتفاعل المثمر والبناء، خاصة وأننا نلج في عصر تتشكل فيه هويات هجينة متعددة اللغة والانتماء أو الإقامة والمهنة. من غير ذلك، يتحول الاستثناء الثقافي والصفاء الهوياتي إلى عصاب ومرض عضال يفتك بأصحابه.
الأجدى والأولى أن يعرف المرء نفسه من خلال وطنه أولاً. ومن خلال مهنته ثانياً، أي ما يتقنه من العمل الصالح أو المفيد والبناء، فذلك هو جواز مروره إلى الفاعلية والحضور في العالم.
وحدهم الإسلاميون يصرّون على استخدام العنوان الديني في تسمية الدول والجمهوريات والأحزاب السياسية.
دما يحصل من كوارث يضع حداً لغطرسة رجال الدين ويكسر وصايتهم الفاشلة على الناس، بقدر ما يفتح الفرصة أمام صعود الكتلة الحداثية المدنية التي يتعامل أصحابها مع هويتهم الدينية والثقافية، على سبيل التواصل والتوسط أو التعدد والاعتراف المتبادل.
لم يعد ينفع الكلام على الرجوع إلى الكتاب والعمل بمنهاج النبوة. فالمهمة العاجلة أمام رجال الدين هي ممارسة التقى الفكري والتواضع الوجودي، للقيام بأعمال النقد والمراجعة والمحاسبة، والاعتذار من الناس، تكفيراً عن سيئات أعمالهم، وعما صنعوا بعربداتهم السلطوية وشعوذاتهم الفكرية وتهويماتهم النرجسية.
تلخيص المهمة في ص 31
والكتاب الذي يحيط علماً بكل شيء مؤداه السطو على نظريات العلماء لنسبتها إلى القرآن.
فالممكن هو أن يصنع كل واحد حقيقته، كما تتجلى في ما يُتقنه أو يُنجزه في هذا المجال أو ذاك، أي في قدرته على خلق الوقائع، وعلى نحو يتيح له ممارسة الفاعلية والحضور على سبيل الاستحقاق والاستمتاع والازدهار. مما يعني أن علاقاتنا بالحقيقة تتجاوز مفهومها اللاهوتي والقدسي أو الصنمي والأيقوني، لكي تُمارَس كمغامرة خلاقة أو تجربة فذة، كرهان ينجح أو لعبة نتقنها على المسرح. أما التعامل مع الحقيقة كعقيدة منزلة لا يأتيها الباطل، فمعناه ومؤداه أن نتشبث بثقافة بائدة، هدامة، عدوانية، تصنع الأبله الثقافي والقطيع البشري بقدر ما تصنع الداعية المشعوذ والمخرب الأممي، أي ما يعود على المجتمعات العربية فوضى واضطراباً أو وبالاً وخسراناً.

37

والأساس في هذا الموقف النقدي، أنني لا أُعرِّف بهويتي من خلال الدين، بعد أن استقليت بفكري وتحررت من انتمائي إلى الإسلام العقائدي والفقهي، بوصفه مجموعة أصول وأركان أو منظومة فرائض وأحكام ترسم أطر النظر وتحدد قواعد العمل.

أنا أتيت من ثقافتي التراثية، ولكن بجوانبها الأدبية والفلسفية والخلقية، وليس بجوانبها العقائدية والفقهية التي حاولت الخروج عليها والتحرر منها. بهذا المعنى فالنص القرآني، كنص أدبي بياني، هو جزء من تراثي الذي أسهم في تشكيل مخيالي الأدبي.

هنا أجدني أقول مرة أخرى بأنه لا جدوى من الاستشهاد بآيات القرآن للدفاع عن الإسلام. فالقرآن إذا شئنا ان لا نتكلم بلغة قدسية، لاهوتية، غيبية، بل بلغة دنيوية، عربية، تداولية، هو معرض للمنتجات الرمزية والسلع الفكرية ينطوي على ما التبس واشتبه أو ما تناقض وتعارض من المعاني والدلالات أو من الآراء والاحكام
أعود إلى القرآن لأقول بأنه ميزته وفرادته ومعجزته، إنما تكمن في كونه يستعصي على الاختزال إلى رأي واحد أو إلى مذهب وحيد، وعلى عكس ما تعامل معه أصحاب الفكر الأحادي والمنطق الإقصائي من العلماء الذين نظّروا وأسّسوا وشرّعوا للعقائد الكلامية المتناقضة وللمذاهب الفقهية المتعارضة، التي ضيقت ما اتسع في النص المفتوح على تعدد القراءات، والتي حلّت في النهاية محل القرآن، لتصبح أولى منه في التعريف بهوية المسلم وتسيير شؤونه. وذلك هو مأزق الأصولية: إلغاء الفرع للأصل والحلول مكانه.
وإذا كانت المسيحية احتاجت إلى حدث كوني تمثّل في الثورة الفرنسية العُظمى، لكي تتخلّى عن وصايتها على المجتمعات والدول في أوروبا، فإن الإسلام يحتاج إلى كلّ هذه الكوارث التي تحصدها المجتمعات العربية، على يد الناطقين باسمه، لكي يغير أهله علاقتهم بالثوابت التي لا تنتج سوى الأفخاخ والمآزق، بل هو يحتاج إلى المزيد من الأعمال البربرية، لكي يقتنع المسلمون بأن إسلامهم لم يعد صالحاً لصناعة حياة حديثة ولا لبناء مجتمعات متطوّرة، لا على مستوى الشراكة الوطنية ولا على مستوى الشراكة العالمية.
تقرأ ما لم يقرأ في النص من قبل، أو تشخص الواقع بصورة جديدة ومغايرة، بالكشف عما مارسته القراءات السابقة من التحكم والاعتباط، أو من الحجب والاقصاء.
الاحتكار والاحتقار 44
لنحسن تشخيص الأزمة. ما نعاني منه هو حصيلة احتكار الحقيقة، بما هو وجه آخر لاحتقار الناس، من أي جهة أتى، أكان صاحبه من أتباع الديانات أم من أصحاب الإيديولوجيات أو الفلسفات.
هذا ما تمارسه، بشكل خاص، الأصوليات الدينية، وبالأخص الأصولية الإسلامية. وأصل هذه الآفة إيمان المسلمين بأنهم أصحاب عقيدة مقدّسة، نطقت بالحقيقة المطلقة والنهائية، لأن الله، وبحسب دعواهم، قد اصطفاهم، ليختم وحيه ويبلغ آخر رسائله ومقرّراته إلى عباده.
العرب لم يعد لديهم شيء يقولونه للعالم، ثمة ما هو أسوأ: السطو على النظريات العلمية المنتجة في الغرب الحديث، لنسبتها زوراً إلى القرآن. وهذا هو مآل الدين الخاتم والكتاب الذي يحيط علماً بكل شيء، بحسب ما تمارسه الأصولية الإسلامية في هذا العصر. أقول في هذا العصر، لأن الماضين مارسوا حريّتهم في التفكير والنقد، كما تجلّى ذلك في قراءات خصبة للنصوص وللواقع، أثمرت تطويراً للفلسفة والعلوم المنقولة عن الغير، وافتتاحاً لحقول معرفية جديدة.
لأن البشر تحركهم الأطماع والأحقاد، أكثر مما تحرّكهم إرادة التعقل أو عقلية الشراكة والتضامن. ولذا فهم قلما يخوضون حروباً عادلة أو مجمعاً عليها. ما يقدمون عليه هو إشعال حروب بدافع الثأر والانتقام أو من اجل الهيمنة والسيطرة أو للفوز بالغنيمة والثروة، بعد أن يخترعوا لها الأعذار والمسوغات، لتجميلها وإسباغ المشروعية عليها.
هناك في كل ما نفكّر فيه ونقوله جانب يبقى في دائرة العتمة ويخرج عن نطاق السيطرة.
من نعتبره الآخر، أو الضد، قد يكون وجهنا الآخر: ما كناه أو ما قد نكونه أو ما نعجز أن نكونه.

0 التعليقات:

إرسال تعليق

المواضيع الأكثر قراءة

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

مشتركون في المدونة

أقسام المدونة

الاستمارة

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

بحث هذه المدونة الإلكترونية

تعليقات جديدة