الاثنين، 15 سبتمبر 2014




     أبو هريرة  لم يكن من السابقين الأولين ولا من المهاجرين، ولا من الأنصار، ولا من المجاهدين بأموالهم أو بأنفسهم، ولا من أصحاب الكلمة في الجاهلية وأول الإسلام، ولا من المُفتين، ولا من - القرآء الذين حفظوا القرآن - ولا جاء في فضله حديث عن الرسول (ص) وقد اتهمه عمر (ض) بالسرقة، ووصفه بأنه عدواً لله والإسلام، عدواً لله وكتابه، وضربه بالدُرة وأدماه وهدده بالطرد بقوله: "لتتركن الحديث أو لألحقنك بأرض القرود أو بأرض دوس".

    السؤال المطروح:

   ألم تصل تلك المعلومات إلى الشيخين البخاري ومُسلم قبلنا؟ لماذا أخرجوا له كل هذه الأحاديث العبثية التي أساءت للإسلام والمُسلمين وأصابتهم في مقتل؟؟ 

   في نفس هذا السياق ، وعن هذه الشخصية المثيرة للجدل قرأت اليوم مقالا للأخ محمود بلحاج اثار فضولي و أرتأيت ان اشاركك فيه اخي القارئ، نقلته دون تصرف ، اللهم إلا الإحالات التي لم اوردها هنا .

يقول الأخ محمود:

لا نريد هنا الخوض في مسألة هل أبو هريرة صحابيا أم لا ؟ فان هذا السؤال (الموضوع) يوكل إلى دراسة مستقلة، وقد كتب الكثيرون فيه، لكننا نسعى هنا إلى الإشارة فقط إلى بعض الإشكالات التي تصوغها الفكرة القائلة بأن أبو هريرة كان صحابيا.
  ومهما كان موقفنا من هذا الموضوع يظل هذا الشخص (أبو هريرة) من أكثر الشخصيات الدينية ( الفقهية) أثارة للجدل في موضوع رواية الحديث، حيث عادة ما تطرح بشأنه الأسئلة التالية: من هو أبو هريرة ؟ متى اسلم ؟ ما هي المدة الزمنية التي صاحب فيها الرسول ؟ كم بلغ عدد الأحاديث التي رواها عن النبي ؟ وإذا كان السؤال الأول لا يهمنا كثيرا في هذا المقام، خاصة أن الرجل عرف باسم " أبو هريرة "،(45) ولكون أن السؤال الثاني والثالث ضمن باقة الأسئلة التي طرحناها بخصوص هذه الشخصية الغامضة والملتبسة،(46) تطرقنا إليها - بإيجاز - خلال الحلقة الأولى من هذه المقالة، فإن السؤال الأخير هو الذي يثير اهتمامنا في هذا المقام المتواضع، ليس فقط نتيجة حجم الأحاديث التي رواها الرجل ( أبو هريرة) عن النبي قياسا للفترة الزمنية التي " صاحب " فيها النبي وفق روايته وشهادته، وإنما نتيجة الأسئلة والملاحظات الشائكة التي تطرحها وجهة النظر المدافعة عن الرجل. طبعا نحن ننطلق هنا من كونه - أبو هريرة - اسلم في عهد الرسول وصاحبه ثلاث سنوات،(47) وليس بعده كما يؤكد مصطفى بوهندي في دراسته الشيقة حول الموضوع.(48)    نشير في مستهل هذا المحور إلى أن مسألة بروز ثقافة الحديث وانتشارها الواسع في مرحلة من مراحل التاريخ الإسلامي، خاصة في مرحلة الأمويين والعباسين، كانت في زمن احتدام الصراع السياسي والمذهبي بين الفرق والجماعات السياسية، خاصة بين أهل الرأي(العقل) وأهل الحديث( النقل) حول حدود ومجال فعالية النصوص الدينية.(49) كما أن تدوين الأحاديث تم ما بين سنة 120 و150 هجرية، (50) وهو الأمر الذي قاد بعض الباحثين للتشكيك في مشروعية السنة، من قبيل طرحهم للأسئلة التالية: هل السنة وحى من عند الله أم هي أنتاج بشري؟ وإذا كان الجواب والرأي المألوف والمعتاد في الكتب التراثية هو أن السنة وحي من عند الله، فلماذا لم يأمر الرسول(ص) بكتابتها وتدوينها كما فعل مع القرآن؟ وبالتالي لماذا منع أصحابه من كتابة الحديث إذا كانت السنة وحي من عند الله ؟ أليس هذا تقصيرا في تبليغه للرسالة ؟ فقد روي عن أبي سعيد الخدري قوله " استأذنت رسول الله (ص) أن يأذن لي أن اكتب الحديث فأبى أن يأذن لي" . (51) وعلى نهج الرسول نفسه سار الخليفة الأولى والثاني بخصوص منعهما لتدوين الحديث أثناء ولايتهم للخلافة ، بل أن الخليفة الثاني – عمر ين الخطاب - أقدم على اعتقال كل من كان يتحدث بالحديث أيام حكمه. ومن الإشكالات الإضافية التي تثيرها مسألة الحديث ومكانتها في الفقه الإسلامي عموما، والتشريع الإسلامي خصوصا، هو : إذا كانت السنة وحي من عند الله، فلماذا ينسخها القرآن ولا تنسخ هي القرآن باعتبارها نصا صادرا من نفس المصدر؟ وهل يحتاج المسلمون للسنة من أجل فهم وشرح وتفسير القرآن - كما يشاع عادة - بعد أن قال الله تعالى في كتابه الحكيم (( وأنزلنا الكتاب تبيان لكل شيء)). (52) 

    وفي هذا السياق، من الضروري أن يعرف المرء أن الاحتجاج والطعن في السنة النبوية من قبل بعض فقهاء وعلماء الإسلام - سواء قديما أو حديثا - لا يتعلق بالسنة النبوية المتواترة والموثقة ( ككيفية الصلاة والحج مثلا) ، وإنما يتعلق الأمر – أساسا - بأحاديث الآحاد الضعيفة المتن ( المضمون) والسند( الحجة والدليل)، المنسوبة للرسول (ص) ظلما وعدوانا. وبالتالي فعندما يصرخ بعض شيوخ الوهابية من فوق منابر رسول الله أو عبر بعض الفضائيات، ضد المنتقدين للاستغلال السياسي للدين عموما، والسنة بشكل خاص، متهمين إياهم بمناهضة السنة ومن ثم مناهضة الإسلام - بالضرورة - حسب تصورهم، فهو صراخ سياسي بالدرجة الأولى وليس ديني، ومن ثم فهو صراخ مجانب للحقيقة بكل المقاييس. وعندما نقول هذا الكلام – ونؤكد عليه - فأننا نعلم جيدا أن الأغلبية الساحقة من الباحثين الذين ينتقدون التوظيف الإيديولوجي للسنة ، ومنهم على سبيل المثال فقط: المفكر الإسلامي الدكتور أحمد الكبيسي، عدنان إبراهيم، أحمد صبحي منصور، جمال البناء، مصطفي بوهندي، حسن حنفي، محمد شحرور، عدنان الرفاعي، محمد ابو ريه، حسن فرحات وغيرهم من الباحثين المعاصرين، لا يطعنون أطلاقا في السنة الصحيحة المتواترة عن الرسول (ص) التي لا تتعارض في جوهرها مع النص الأصلي للإسلام ؛ أي أنها لا تتناقض مع القرآن ، وإنما يطعنون في الأحاديث المنسوبة للرسول(ص) لأهداف سياسية واقتصادية ..الخ.(53) فعلى سبيل المثال كيف يمكن القبول بالحديث القائل (( أمرت أن اقتل الناس حتى يؤمنون بالله ..) بينما أن النص القرآني يؤكد على حرية الإيمان والاعتقاد ، بل أنه يؤكد أيضا على أن رسول الإسلام هو رسول الرحمة، فكيف يمكن أن يكون هذا النبي (محمد) هو نبي الرحمة ونبي القتل في نفس الوقت ؟ أليس هذا تناقضا؟ وكيف يمكن لنا كذلك القبول بالحديث القائل (( الأئمة في قريش))، بينما نقرأ في حديث آخر (( لا فرق بين عربي وعجمي إلا بالتقوى)).


   علاوة على هذا فالإسلام موجه للعالمين، بل أن القرآن نفسه لا يتضمن أية آية صريحة بشأن طبيعة الحكم السياسي في الإسلام.(54) والسؤال المطروح هنا هو : كيف أهمل القرآن الكريم هذا الموضوع رغم أهميته القصوى في حياة البشر، ولم يهمله في الحديث إذا ما اعتبرنا أن الحديث السابق (الأئمة في قريش) قالها الرسول بالفعل ولم تنسب إليه فقط، كما نسبت إليه معظم الأحاديث؟!! وكيف يمكن أيضا القبول بالحديث القائل "أيما رجل وامرأة توافقا فعشرة ما بينهما ثلاث ليال فان أحبا أن يتزايدا أو يتباركا "؟ والحديث واضح المعنى لا يحتاج للتأويل والتفسير، فهل يعقل أن يقول النبي هذا الكلام، وهو كلام موجود في صحيح البخاري ؟ (55) وإذا كان هذا الكلام صحيح من وجهة نظر المدافعين عن صحة الأحاديث الموجودة في صحيح البخاري- باعتباره ثاني اصح كتاب بعد كتاب الله (القرآن) في اعتقادهم الزائف- فما جدوى تحريم الزنا بالنص القرآني؟ وكيف يمكن الإيمان باله يحرم الزنا هنا (القرآن) ويحللها هناك (الحديث)؟ وعندما نطرح هذا السؤال فأننا ندرك جيدا أن المدافعين عن السنة بالمطلق، وخاصة المدافعين عن صحيح البخاري يعتقدون اعتقادا راسخا بأن الأحاديث – وطبعا كل الأحاديث وليس جزءا منها – وحي من الله !!. نكتفي بهذا القدر من الأحاديث التي تتناقض صراحة مع النص القرآني؛ وهي أحاديث تعتبر صحيحة في نظر المدافعين عن السنة النبوية دون التدقيق والتمحيص.

    يعتبر أبو هريرة - كما قلنا أعلاه - من أكثر الشخصيات رواية للحديث عن النبي، بالرغم من قصر مدة مصاحبته للرسول مقارنة مع الصحابة الذين رافقوا الرسول طيلة بعثته - من بدايتها حتى نهايتها - أمثال : رفيقه وسهره أبو بكر، وعمر بن الخطاب ، وعثمان بن عفان، وعلي ابن أبي طالب، وزوجاته (خاصة عائشة)، والزبير والطلحة وغيرهم من الصحابة (والصحابيات أيضا) المعروفين بمرافقتهم للرسول ودعمهم له، حيث أن الرجل( أبو هريرة) روي ما مجموعه 8740 حديث من أصل 62169 حديث من الأحاديث المروية في الكتب التسعة عند أهل السنة والجماعة ؛ أي بنسبة تصل إلى %14،05.(56) بينما أن عائشة ( مثلا ) لها حوالي 2210 حديث فقط، وعائشة هي من هي بطبيعة الحال، فهي أولا زوجة الرسول(ص) وأبنت أبي بكر؛ أي: أنها ولدت وترعرعت في حضن الإسلام، وبالتالي لم تسلم بعد مرور عشرين سنة من البعثة المحمدية كما هو الأمر مع أبو هريرة أن صح ما قاله عن إسلامه!!. علاوة على هذا، تعتبر عائشة مثقفة مقارنة مع أبو هريرة الذي كان لا يعرف القراءة والكتابة، وبالتالي فانه كان يعتمد في روايته للحديث عن ذاكرته فقط. (57)


   فعلى ضوء هذه المعطيات نتساءل: هل هذا ممكن من الناحية المنطقية؟ الجواب بالنسبة لنا هو لا غير ممكن أطلاقا ، فمن الناحية المنطقية – في نظرنا - كان من المفروض أن يكون أبو بكر، وعلي، وعائشة( وباقي زوجاته)، وعثمان من أكثر الناس رواية للحديث من عمر والزبير والطلحة وغيرهم من الصحابة وليس عن أبو هريرة الذي اسلم متأخرا جدا. لكن بالنسبة له شخصيا ؛ أي: بالنسبة لأبي هريرة - والمدافعين عنه - قديما وحديثا- فالجواب هو نعم ممكن جدا، وبالتالي فالأمر عادي ومنطقي في نظرهم، ولكن كيف؟ وقبل الانتقال إلى الإجابة عن هذا السؤال المزعج والمقلق بالنسبة للمدافعين عن صحة الأحاديث التي رواها أبو هريرة، من الضروري الإشارة هنا إلى أن كل ما أورده أبو هريرة عن نفسه ( إسلامه وملازمته للرسول ..) لم يؤكده أي صحابي آخر. هذا أولا، وثانيا ملازمة أبو هريرة للرسول حسب كلامه طبعا، كان من أجل الأكل، وليس من أجل العلم والاقتياد بالرسول كما يعتقد معظمنا. فالرجل - أبو هريرة - يقول عن نفسه" وكنت امرأ مسكينا ألزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على ملء بطني، فأحضر حين يغيبون وأذكر يغيبون وأذكر حين ينسون "، (58) فكلام أبو هريرة هذا يوضح لنا أسباب وغايات ملازمته للرسول(ص). 


    هذا من جهة، ومن جهة أخرى يقودنا هذا الكلام إلى طرح جملة من الأسئلة الاستفسارية التي تفرض نفسها بقوة ، أولها ما هي حدود ملازمة أبي هريرة للرسول، أو بمعنى آخر هل كان أبو هريرة يلازم الرسول أثناء فترة الأكل فقط أم تتعداه إلى فترات أخرى؟ وعندما نطرح هذا السؤال فإننا ندرك جيدا أن الرسول (ص) كانت له مشاغل كثيرة، فإلى جانب أنه كان رسولا، فهو أيضا رئيس دولة ، وقائد عسكري يخوض حروب متتالية على عدة جبهات، بالإضافة إلى أنه كان إماما وقاضيا يقضي في المنازعات التي تحصل بين الناس في شتى المجالات التي تهم حياة المسلمين آنذاك، دون أن ننسى طبعا الجانب الإنساني في حياة الرسول(ص)، حيث له مسؤوليات شتى تجاه بيته وأسرته (أزواج وأولاد..) كما يحتاج إلى الراحة والنوم..الخ. والسؤال الثاني الذي يطرح على هامش ذكرنا لكلام أبو هريرة السابق هو: هل كان رسول الله يأكل مع أبي هريرة أم مع أولاده وأزواجه، أو بمعنى آخر: هل كان الرسول يأكل في بيته أم كان يأكل مع مساكين الصفة القاطنين بجوار مسجد رسول الله؟ وما هي الفئة التي يقصدها أبو هريرة بكلامه التالي " فأحضر حين يغيبون وأذكر حين ينسون "؟ هل يقصد هنا أبي بكر وعثمان وعلي وعمر أم أنه يقصد زملائه من أهل الصفة؟ وكيف يتهم الجميع بالنسيان؟ فهل يمكن تصديق أن الجميع ينسون ماعدا هو؟ نعود الآن إلى السؤال السابق ، ونقول: يبرر أبو هريرة كثرته للحديث عن الرسول مقارنة مع الآخرين ( مقارنة مثلا: مع أبي بكر، وعمر علي وعثمان ...) بالقول مثلا عندما اتهمته عائشة بكثرة الحديث: " يا أمه طلبتها وشغلك عنها المرآة والمكحلة، وما كان يشغلني عنها شيء" هكذا رد أبو هريرة عندما اعترضت عائشة عن روايته للحديث. كما قال أيضا " والله لولا آيتان في كتاب الله ما حدثت عنه – يعني عن النبي صلى الله عليه وسلم – أبدا لولا قول الله ( إن الذين يكتمون ما انزل الله من الكتاب ".وبهذا الكلام يوجه أبو هريرة تهمة – بشكل غير مباشر – كتمان ما انزل الله لكل من أمر بمنع كتابة الحديث ومنهم الرسول أولا، وأبو بكر ثانيا، وعمر ثالثا !!.
ملحوظة: هذه المقالة هي جزء ( الجزء الرابع والأخير) من مقالتنا السابقة " عدنان إبراهيم وعدالة الصحابة.. تعقيب على ردود الشيخ نجيب الزروالي" لكن نظرا لبعض الظروف الخاصة لم يتم نشرها في السابق.



*******




للإطلاع اكثر انصحك بقراءة ما يلي:





0 التعليقات:

إرسال تعليق

المواضيع الأكثر قراءة

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

مشتركون في المدونة

أقسام المدونة

الاستمارة

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

بحث هذه المدونة الإلكترونية

تعليقات جديدة